
في عالم سريع التطور كصناعة الألعاب الإلكترونية، قلما نجد مبدعا يحول كل مشروع جديد إلى حدث ثقافي وفني بحد ذاته.
هيديو كوجيما، العقل الإبداعي وراء سلسلة Metal Gear وصاحب الرؤية الفريدة في Death Stranding، يعود بجزئها الثاني ليؤكد أن الألعاب ليست فقط وسيلة للترفيه، بل منصة للتأمل، التعبير، وربما أيضا للشفاء.
منذ إصدارها الأول، لم تكن Death Stranding مجرد لعبة، بل تجربة متكاملة نسجت عناصر السرد السينمائي، الموسيقى الشعورية، التكنولوجيا المتطورة، والطرح الفلسفي العميق.
كوجيما ليس مصمم ألعاب تقليدي فقط، بل هو مخرج أكثر من كونه مبرمجا. افتتانه بالسينما حاضر في كل تفاصيل أعماله، خصوصا Death Stranding.
المشاهد مصوغة بعناية سينمائية متقنة، وزوايا الكاميرا تحاكي ما نشاهده في أفلام هوليوود المستقلة.
اختيار ممثلين من طراز عالمي مثل نورمان ريدوس، مادس ميكلسن، وليا سيدو، جعل اللعبة تقترب أكثر من فيلم تفاعلي طويل.
لم تكن الموسيقى داخل اللعبة فقط للتزيين، حيث أضفى التعاون مع فرقة Low Roar طابعا حزينا ومليئا بالحنين.
ومع وفاة ريان كاراياك، المغني الرئيسي للفرقة، أصبحت موسيقى اللعبة أكثر تأثيرا وحزنا.
في الجزء الثاني، انضم الفنان الفرنسي Woodkid، المعروف بأسلوبه الدرامي والفني، ليمنح اللعبة صوتا جديدا، مليئا بالشاعرية.
Death Stranding لم تبهر فقط بصريا، بل ابتكرت أيضا أسلوب لعب جديد يشجع على التعاون غير المباشر بين اللاعبين.
بناء الجسور، الطرق، والملاجئ هو أكثر من مجرد ميكانيك لعب؛ إنها فلسفة كاملة تعيد تعريف مفهوم "الاتصال" في عالم يتجه أكثر فأكثر نحو العزلة.
جاء الإعلان عن Death Stranding 2 ليشعل الحماسة من جديد.
أظهرت العروض التشويقية التي تم عرضها حتى الآن أظهرت رسومات مذهلة وأجواء أكثر ظلمة وتعقيدا.
عاد نورمان ريدوس ليؤدي الدور الرئيسي، وانضمت أسماء جديدة تزيد من الغموض.
وجود Woodkid كمؤلف موسيقي يؤكد أن الجزء الثاني سيحافظ على بعده الفني والعاطفي القوي.
لم يكتفِ كوجيما بصنع لعبة ممتعة، بل حول الألعاب إلى وسيلة فنية للتعبير عن أفكار إنسانية عميقة: طرح أسئلة عن العزلة، الأمل، والتواصل. كما دفع اللاعبين للتفكير والشعور، ليجعل اللعبة تجربة فنية وفلسفية أكثر منها مجرد وسيلة ترفيه.
وهكذا، يبقى هيديو كوجيما واحدا من القلائل الذين يجرؤون على طرح الأسئلة الوجودية عبر أداة غير تقليدية: لعبة فيديو.